الاستشراق العربي والعرب وفلسطين..!

الاستشراق العربي والعرب وفلسطين..!

  • الاستشراق العربي والعرب وفلسطين..!

اخرى قبل 4 سنة

الاستشراق العربي والعرب وفلسطين..!

د.عبد الرحيم جاموس

قد يكون عنوان مقالتنا صادما بعض الشيء، لأن المعروف والمألوف لدينا ولدى العامة، هو علم الاستشراق الغربي، وهو علم ارتكز على رؤى وأبحاث سطرها باحثون غربيون منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي وما تلاه، بغرض وهدف دراسة الشرق وفهمه، خصوصا منه العالم العربي من جميع الجوانب السكانية والاقتصادية والثقافية والعادات والمعتقدات...الخ، بهدف فهمه وفهم واقعه وما يتطلع اليه، قدمت واستخدمت أبحاثه ودراساته وتقاريره لمساعدة صانعي القرار في دول الغرب الأوروبي الطامح لاستعماره، وقد قدم المستشرقون الغربيون فهمهم الخاص للشرق بصفة عامة، وتم العمل على وضع الخطط الاستعمارية للعالم العربي وكيفية استغلال ما فيه من تناقضات وثغرات، تسهل السيطرة عليه ونهب خيراته، والعمل على اعادة صياغته وإعادة تفكيكه وتجزئته عند اللزوم من اجل الحيلولة دون أن يتمكن هذا الشرق العربي من النهوض، أو التغلب على ما لديه من قضايا وازمات وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقد استفادة الدول الاستعمارية على اختلافها والكيان الصهيوني في المقدمة منها، من أبحاثه وتقاريره التي أعدها المستشرقون عن العالم العربي وسكانه، ورسموا له فيها صورة نمطية تبرر اقدم الغرب على استعماره ونهبه وابقائه تحت السيطرة، بما يحقق طموحات الغرب ومصالحة على المدى القصير والطويل، بما فيه غرس الكيان الصهيوني في فلسطين والعمل على ديمومته، لفصل شرقه عن غربه وإبقائه في حالة من انعدام الأمن والاستقرار.

للأسف بات اليوم عدد كبير من الإعلاميين والمثقفين والدارسين العرب ومنهم بعض الفلسطينيين، يتناولون دراسة ومعالجة جوانب القضية الفلسطينية وكثير من الأزمات والقضايا العربية المختلفة في مقالاتهم ودراساتهم وأبحاثهم بمناهج وأساليب المستشرقين، باتوا وكأنهم مستشرقون عرب يصدمون ويكوونَ وعي المواطن العربي، ويسوِقون له رؤاهم وخلاصاتهم وكأنهم لا ينتمون إلى أيٍ من مكونات الأمة العربية، فتحولوا إلى ادوات طيعة وأسلحة ناعمة في يدِ الخصوم ويجاهرون بإلقاء اللوم على الذات العربية، والضحايا العربية وفي مقدمتها الضحية الفلسطينية ويحملونها ما آلت اليه أوضاعها من مصير، ويقدمون صكوك الغفران للكيان الصهيوني من جهة وللفرس والترك من جهة اخرى، ويصفحون عن الغرب المتطور والمتقدم الذي لم تستطيع شعوبنا وامتنا العربية الاستفادة من ثقافته وحضارته كي تنهض شعوبنا وامتنا وتلحق بركبه الحضاري.

يرجع البعض هذه الظاهرة المستجدة على الوعي والفكر والثقافة العربية، إلى تراجع الوعي الوطني والقومي لدى الشعوب العربية مع نهايات القرن العشرين، وتهاوى وضعف النظام العربي الذي جسدته جامعة الدول العربية منذ اربعينات القرن الماضي، التي سارت به من ضعف إلى ضعف منذ تأسيسها، واثبتت عدم قدرتها على تلبية طموح الشعوب والدول العربية لا نقول في تحقيق الوحدة العربية أو تفعيل التضامن العربي في حدهِ الادنى، وإنما ايضا في مواجهة جملة التحديات التي تواجه دوله فرادى أو مجتمعة في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية لمجتمعاتها، حيث لازال البعض منها يعاني من ارتفاع نسبة الأمية، وضعف التعليم المدرسي والجامعي وعدم توافق مخرجاته واحتياجاتها وسوق العمل بصفة عامة، ما يخلق هوة واسعة بينها وبين دول العالم الناهضة والمتطورة.

قد آل وضع بعض الدول العربية اليوم إلى وضع لا يسرُ سوى أعدائها، وباتت في وضع الدولة الفاشلة والعاجزة عن حماية حدودها أو ردِ اطماع الطامعين فيها، وبالتالي عجزها عن تحقيق الأمن والرفاه لها ولمواطنيها، كما ترزحُ تحت وطأة ضغط ديون خارجية كبيرة تعجز عن الوفاء في سداد ما يترتب عليها من فوائد للمؤسسات المالية الدولية المقرضة، والتي تفرض عليها سياسات نقدية ومالية مجحفة تثقل عبء المواطن، بما ادت اليه من ارتفاع وغلاء في تكاليف الحياة لا تتناسب والدخول المتوفرة أو المتاحة.

سيستثمر الكيان الصهيوني هذا الوضع الذي آل اليه الوضع العربي لتنفيذ خططه في تصفية القضية الفلسطينية وتنفيذ سياساته في التوسع والضم للأراضي الفلسطينية من جهة وتوسيع علاقاته مع الدول العربية وفرض نفسه عليها والقبول به في الوطن العربي دون التسليم باستحقاقات السلام، ويسعى إلى التمهيد لإقامة علاقات علنية وكاملة مع الدول العربية، واخذ يستخدم وسائل وأساليب شتى، غاية في الخبث والخطورة تمكنه من اللعب على التناقضات والخلافات العربية، ومن اهم واخطر الأدوات والوسائل التي اخذ يستخدمها من اجل تحقيق التطبيع والتمهيد له بثُ الكراهية بين الشعب الفلسطيني وأشقائه من الشعوب العربية، هذا ما يجب التنبه له وعدم الوقوع في هذه الشراك الخبيثة التي يفخخها وينصبها للشعب الفلسطيني ولأشقائه.. كما لابد من صحوة وطنية وقومية عربية لمواجهة المستشرقون العرب، وإعادة الاعتبار للروح الوطنية والقومية العربية واستعادة روح التضامن العربي لمواجهة كافة التحديات المحدقة بالعالم العربي من قبل الكيانات الطامحة في الهيمنة والسيطرة عليه سواء (الصهيونية أو الإيرانية أو التركية أو الغربية) على السواء.

وللحديث بقية.

التعليقات على خبر: الاستشراق العربي والعرب وفلسطين..!

حمل التطبيق الأن